خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 6 جمادي الآخرة 1444هـ ، الموافق 30 ديسمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022م بصيغة word بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022م بصيغة pdf بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022م بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين.
أولًا: الزمنُ في القرآنِ والسنةِ.
ثانيـــًـا :إياكَ وضياعَ الزمنِ !!
ثالثـــًـا وأخيرًا: آنَ الرحيلُ وما حصَّلْتَ مِن زادٍ؟.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 30 ديسمبر 2022م بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين : كما يلي:
الحمدُ للهِ الذي جعلَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ خِلْفَةً لمن أَرَادَ أن يذَّكَرَ أو أرادَ شكورًا، وجعلَ الجنَّةَ للمؤمنينَ جَزَاءً ومصيرًا، والنارَ للكافرينَ والعُصَاةِ كُلَّمَا خَبَتْ زادتْ سعيرًا، سبحانَهُ أقامَ العبادَ على مدارجِ الفضلِ والإِكرام، والدُّنْيَا أيامٌ مهمَا طالَ فيها المقامُ، سبحانَهُ تفردَ بالبقاءِ ولهُ الدوامُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلِ في محكم التنزيل ((يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ((النور:44،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (أل عمران :102
عِبَادَ اللهِ:(( عنايةُ القرآنِ بالزمنِ وحديثُهُ عن الأيامِ والسنين ((عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: الزمنُ في القرآنِ والسنةِ.
ثانيـــًـا :إياكَ وضياعَ الزمنِ !!
ثالثـــًـا وأخيرًا: آنَ الرحيلُ وما حصَّلْتَ مِن زادٍ؟.
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنا عن عنايةِ القرآنِ بالزمنِ، وخاصةً وَلَقَدْ فَرَّطَ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ فِي أَوْقَاتِهِمْ، وضيعُوا الساعاتِ والأيامَ والسنينَ في البعدِ عن منهجِ ربِّهِم وسنةِ نبيِّهِم ﷺ وضيعُوا أوقاتَهُم فيمَا يضرُّ ولا ينفع، وخاصةً ونحنُ نضيعُ الأوقاتَ بالساعاتِ أمامَ الهواتفِ ومواقعِ التواصلِ والأفلامِ والمبارياتِ بعيدينَ عن كتابِ ربِّنَا وسنةِ نبيِّنَا ﷺ، وخاصةً أنّ الوقتَ هو الحياةُ وأنّ الوقتَ أغلى مِن الذهبِ والفضةِ وأغلى مِن جميعِ الأموالِ، فإنّ المالَ إذا فُقِدَ يمكنُ أنْ يعوضَ، أمّا الوقتُ إذا فُقِدَ فلا يمكنُ أنْ يعوضَ. وخاصة وأنَّ عمرَ الإنسانِ قصيرٌ والليالِي والأيامَ تسيرُ، تذهبُ الدنيا بمَا فيها جوعٌ وشِبع، أمنٌ وخوفٌ، بكاءٌ وضحكٌ، همٌّ وسرورٌ، اجتماعٌ وافتراقٌ، قال ربُّنَا (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى)النجم:43. وللهِ درُّ القائلِ
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له *** إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفعْ لنفسِكَ بعدَ موتكَ ذكرَهَا *** فالذكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثاني
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين
أولًا: الزمنُ في القرآنِ والسنةِ.
أيُّها السادةُ: تحدثَ القرآنُ الكريمُ والسنةُ النبويةُ المطهرةُ عن الزمنِ وأهميتِهِ بالنسبةِ للإنسانِ مِنَّا وكيف لا ؟والزمنُ هو الحياةُ والزمنُ هو رأسُ مالِ المسلمِ ، والزَّمَنُ وَالْوَقْتُ مِنْ أَثْمَنِ الأَشْيَاءِ الَّتِيْ لا يَسْتَطِيْعُ الْإِنْسَانُ شِرَائهَا، فَهُوَ يَمُرُ بِسُرْعَةٍ، وَلَا يُمْكِن أنْ يَعُوْدَ الزَّمَنُ إِلَى الْوَرَاءِ، فالعاقلُ هو الذي يعرفُ قدرَ وقتِهِ وشرفَ زمانِهِ فلا يضيعُ ساعةً واحدةً مِن عمرِهِ إِلّا في خيرِ الدنيا والآخرةِ، وكيف لا ؟ والزمنُ نعمةٌ عظيمةٌ ومنَّةٌ كريمةٌ مِن أعظمِ نعمِ اللهِ علينَا لنتذكرَ ونعتبرَ ولنشكرَ اللهَ عليها ليلَ نهار، قال جلَّ وعلا):وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ) (الفرقان: 62 وكيف لا؟ و لعظمِ الزمنِ أقسمَ اللهُ بهِ في القرآنِ مرارًا وتكرارًا فقالَ ربُّنَا (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ((سورة الليل:1 – 2 وقال ربُّنَا: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) وقال جلّ وعلَا : ( والعصرِ إنّ الإنسانَ لَفِي خسرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ((سورة العصر:1-3)
وكيف لا؟ وإنّ العمرَ الحقيقيَّ للإنسانِ لا يقاسُ بالسنواتِ، إنّما يُقاسُ بالأعمالِ والطاعاتِ انظرْ إلى نبيّ اللهِ نوحٍ عليه السلامُ كم عاشَ ؟وما مدةُ دعوتِهِ ؟ قضَى ألفَ سنةٍ إلّا خمسينَ عامًا في الدعوةِ إلى اللهِ ومع ذلك ومَا آمنَ معهُ إلّا قليلٌ، وانظرُوا إلى عُمْرِ المصطفَى محمدٍ ﷺ كم عاشَ ؟وكم عددِ سنواتِ دعوتِهِ ؟ تزيدُ عن العشرينَ قليلًا جدًا ، ومع ذلك قدرَ اللهُ له في هذا العمرِ القليلِ أنْ يقيمَ للإسلامِ دولةً من فتاتٍ متناثرٍ. وكيف لا؟ والزمنُ والأيامُ والسنينُ دليلٌ على قدرةِ اللهِ الواحدِ الأحدِ الوترِ الصمدِ وعلى إتقانهِ سبحانَهُ وتدبيرِهِ وتسيرِهِ لهذا الكونِ العملاقِ قال جلَّ وعلَا ((وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ) (12) الإسراء ، قال جلَّ وعلا ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ آل عمران: 160قال جلَّ وعلا ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (القصص: 71 ( 73.
وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ *** تدلُّ على أنَّهُ الواحدُ
وكيف لا؟ ولعظمِ الزمنِ والأيامِ والسنين ربطَ الملكُ جلَّ جلالُهُ أمهاتِ العباداتِ مِن صلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ وحجٍّ بالزمنِ والوقتِ، قال جلَّ وعلا عن الصلاةِ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103 وقالَ ربُّنَا: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78. وقالَ جلَّ وعلا عن الصومِ ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )) سورة البقرة:185وقال جلَّ وعلا عن الزكاةِ (( وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِ)) سورة الأنعام، وقال سبحانَهُ على الحجِّ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} البقرة 197 ،كلُّ هذه وغيرُها دليلٌ على أهميةِ الوقتِ وعظمتهِ ومكانتهِ عندَ اللهِ جلَّ وعلا وكيفَ لا؟ ولقد تحدثَتْ سنةُ نبيِّنَا ﷺ عن الزمنِ وأهميتهِ وأنَّهُ نعمةٌ عظيمةٌ ومِنَّةٌ كبيرةٌ يجبُ اغتنامُهُ قبلَ فواتِ الأوانِ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ))رواه البخاري) لذا قال النبيُّ ﷺ}: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِك ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وَحَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك (( رواه الحاكم. فالوقتُ مِن أجلِّ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها على الإنسانِ والتي سيسألُ عنها بينَ يدى الكبيرِ المتعالِ كما في حديثِ أبي برزةَ الأسلميِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قال: قال: النبيُّ المختارُ ﷺ)) لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟))رواه الترمذي.. فوظفْ أنفاسَكَ في طاعةِ مولاكَ ، وجاهدْ نفسكَ وهواكَ وابتعدْ عن وساوسِ الشيطانِ واسمعْ إلى ابنِ مسعودٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ وهو يقولُ ))ما ندمتُ على شيءٍ ندَمِي على يومٍ غربَتْ شمسُهُ اقتَرَبَ فيه أجلِي ولم يزدَدْ فيه عملِي)وللهِ درُّ الْقَائِل :
إذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَسْتَفِدْ هُدًى *** وَلَمْ أَكْتَسِبْ عِلْمًا فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي
بل يقولُ علىٌّ بنُ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ : مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ“ .سلمْ يا ربِّ سلمْ !!!كم مِن يومٍ يمرُّ بل كم مِن شهورٍ مرتْ علينَا بل كم مِن سنينَ مرتْ علينَا ولم نقتبسْ علمًا ولم نقتبسْ هدًى، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ .وكيف لا؟ و تقاربُ الوقتِ والزمنِ وسرعةُ مرورِهِ دونَ فائدةٍ علامةٌ على قربِ الساعةِ، وإشارةٌ إلى معجزةٍ نبويةٍ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ )) رواه الترمذي ، وفي رواية ((وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ )) أي ورقِ الجريدِ اليابسِ، وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ. قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ الْقَتْلُ)) (متفق عليه) ، ألم يقعْ ما أخبرَ بهِ الصادقُ المصدوقُ ﷺ !!! فالزمن يمرُّ مرَّ السحابِ ويجرِى جرىَ الرياحِ ، فالأيامُ تمرُّ ،والأشهرُ تجرِى وراءَهَا تسحبُ معها السنين، وتمرُّ خلفَهَا الأعمارُ وتُطْوَى حياةُ جيلٍ بعدَ جيلٍ ,ثم بعدَهَا يقفُ الجميعُ بين يدي الكبيرِ المتعالِ و سيعلمُ الخاسرونَ الذين خسرُوا أنفسَهّم وضيعُوا أوقاتَهُم وأعمارَهُم وكأنَّهُم ما لبثُوا في هذِهِ الدنيا إلا ساعةً قال ربُّنَا ))قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ .فَتعالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ .وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ .وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) (سورة المؤمنون) بل مِن أهمِّ خصائصِ الوقتِ: أنّهُ إذا مضَى لا يعودُ أبدًا . كما قال الحسنُ البصريُّ رحمَهُ اللهُ: ما مِن يومٍ ينشقُّ فجرُهُ إلا وهو ينادى بلسانِ الحالِ يا بنَ أدمَ أنا خلقٌ جديدٌ وعلى عملِكَ شهيدٌ فاغتنمنِي، فإنِّي لا أعودُ إلى يومِ القيامةِ .سلمْ يا ربِّ سلمْ!!! لذا قال ابنُ القيمِ -رحمَهُ اللهُ-: إضاعةُ الوقتِ أشدُّ من الموتِ؛ لأنّ إضاعةَ الوقتِ تقطعُكَ عن اللهِ والدارِ الآخرةِ، والموتَ يقطعُكَ عن الدنيا وأهلِهَا.. .وللهِ درُّ القائلِ
والوقتُ أنفَسُ ما عُنيتَ بِحِفْظِهِ *** وَأَرَاهُ أَسْهَلُ مَا عَلَيْكَ يضيعُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين
ثانيـــًـا :إياكَ وضياعَ الزمنِ !!
أيُّها السادةُ: ضياعُ الوقتِ خزيٌ وعارٌ وهلاكٌ ودمارٌ وحسرةٌ وندامةٌ قال جلَّ وعلا ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ آل عمران: 30.قال أبو الدرداءِ -رضي اللهُ عنه-: (إنَّما أنتَ أيامٌ، كُلّما مضَى منك يومٌ مضَى بعضُك(( وقَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :«يَا عُمَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّ للهِ عَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ))
فإياكَ والعجزَ والكسلَ لذا كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ كما في الصحيحين مِن حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:“ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)).وإياكَ واتباعَ الهوى، فالهوَى ملكٌ ظلومٌ غشومٌ جهولٌ يهوِى بصاحبهِ إلى الشرِّ في الدنيا والهلاكِ في الآخرةِ. يقولُ ابنُ عباسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) ما ذكرَ اللهُ الهوَى في موضعٍ من كتابهِ إِلّا وذمَّهُ قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) [الجاثـية:23 بل خاطبَ اللهُ نبيَّهُ المصطفى ﷺ بقولِهِ )) وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ((الكهف: 28] فالهوىَ يهوِى بصاحبِهِ إلى الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ . . فالوقتُ هو الحياةُ .. والوقتُ هو العمرُ .. فلا تضيعْ ساعةً مِن عمرِكَ إلّا في خيرِ الدنيا و الآخرة .
وإياكَ والغفلةَ قال ربُّنَا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُون َلَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (الأنبياء :1 ،2)كلماتٌ تهزُّ الغافلينَ هزًا، كلماتٌ تهزُّ الساقطينَ هزًا ،كلماتٌ تهزُّ اللاعبينَ هزًا، كلماتٌ تهزُّ العاقلينَ ، الحسابُ يقتربُ والساعةُ تقتربُ، والقيامةُ تقتربُ والناسُ في غفلةٍ، والناسُ معرضون لماذَا ؟ لأنّهم في اللهوِ والباطلِ والشهواتِ والمادياتِ غارقون ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .
وإياكَ ثُمَّ إياكَ وطولَ الأملِ :جميلٌ أنْ تحملَ أملًا في قلبِكَ لتعمرَ الكونَ .. فالإنسانُ مفطورٌ على حبِّ الحياةِ ، ولا ينكرُ ذلك إلا جاهلٌ بالقرآنِ والسنةِ . جميلٌ أنْ أعيشَ في الدنيا وأنْ أحملَ الأملَ في قلبِي، لأنْ أُعَمِّرَ بيتًا لأولادِي، وأنْ أصلَ إلى أعلى المناصبِ وأرقى الدرجاتِ . وأنْ أُحَصِّلَ الملايين من الأموالِ من الحلالِ الطيبِ.لكنْ إياكَ أنْ يحولَ طولُ الأملِ بينك وبين طاعةِ مولاكَ حينئذٍ ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) لذا حذرَ النبيُّ ﷺ مِن طولِ الأملِ، وهذا حديثُ النبيِّ لابنِ عمرَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـكما في صحيحِ البخاريِ: ( كنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )وَكَانَ ابْنُ عُمَرَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) رواه البخاري وروى عن علىٍّ بنِ أبى طالبٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ أنّه قال : اعملْ لدنياكَ كأنَّك تعيشُ أبدًا واعملْ لأخرتِكَ كأنَّكَ تموتُ غدًا .يفكرُ الإنسانُ أنْ سيخلدَ أنّه لا يزالُ صغيرًا لا يزالُ صحيحًا وهو لا يدري كم مِن صحيحٍ ماتَ لا مِن علةٍ وكم من مريضٍ عاشَ حينًا من الدهرِ وصدقَ النبيُّ ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ ((يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَالْأَمَلُ)) رواه أحمد
يا مَن بدنياهُ اشتغلْ *** وغره طولُ الأمل
ولم يزلْ في غفلةٍ *** حتى دنَا منه الأجل
الموتُ يأتي بغتةً ***والقبرُ صندوقُ العمل
وإياكَ ثُمَّ إياكَ الفراغَ، وآهٍ مِن الفراغِ على شبابِنَا وأخواتِنَا وعلى أنفسِنَا !! آهٍ مِن الفراغِ وخطرِهِ ، روى البخاريُّ في صحيحه من حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:“ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ“ والفراغُ ثلاثةُ أنواعٍ : الفراغُ القلبيُّ ، والفراغُ النفسيُّ ، والفراغُ العقليُّ .
فَتَنْظِيمُ الْوَقْتِ، وَالتَّخْطِيطُ لَهُ، وَتَحْدِيدُ الْأَوْلَوِيَّاتِ، وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ عَلَى التَّقْصِيرِ، وَاغْتِنَامُ أَوْقَاتِ الْفَرَاغ، وَإِنْجَازُ الْأعْمَالِ فِيهَا، وَقِرَاءَةُ حَيَاةِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ، وَالْمُوَازَنةُ بَيْنَ مَسْؤُولِيَّاتِهِ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ جَانِبٍ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِمَا أَصْلُهُ التَّأْخِيرُ، وَلَا تَأْخِيرٌ لِمَا أَصْلُهُ التَّقْدِيمُ، مَنْهَجُ سَلَفِ الْأُمَةِ الصَّالِح. قالَ ابنُ القيمِّ رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه: « وأعظمُ هذِهِ الإضاعاتِ إضاعتانِ هُمَا أصْلُ كُلِّ إضاعةٍ: إضاعةُ القلبِ، وإضاعةُ الوقتِ. فإضاعةُ القَلْبِ مِنْ إيثارِ الدنيا على الآخِرَةِ، وإضاعةُ الوقتِ مِنْ طولِ الأمَلِ، فاجتمعَ الفسادُ كُلُّهُ في اتِّباعِ الهوى وطولِ الأمَلِ، والصلاحُ كُلُّه في اتِّـباعِ الهُدى والاستعدادِ لِلقاءِ(
لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوت يَسكُنُها *** إِلّا الَّتي كانَ قَبل المَوتِ يَبنيها
فَإِن بَناها بِخَير فازَ ساكِنُها **** وَإِن بَناها بشرّ خاب بانيها
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين
ثالثـــًـا وأخيرًا: آنَ الرحيلُ وما حصَّلْتَ مِن زادٍ؟.
أيُّها السادةُ: الدنيا مهمَا عظُمتْ فهي حقيرةٌ ومهمَا طالتْ فهي قصيرةٌ لماذا؟ لأنَّ الليلَ مهمَا طالَ فلابُدَّ مِن طلوعِ الفجرِ؛ ولأنَّ العمرَ مهمَا طالَ فلابُدَّ مِن دخولِ القبرِ، فكُنْ عاقلًا ،وإياكَ أنْ تُؤثِرَ الدنيَا على الآخرةِ قال ربُّنَا { فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) }سورة النازعات .فإياكَ أنْ تؤثرَ الدنيا على الآخرةِ، فالدنيا لا تساوي شيءً، ولو كانتْ تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقَي الكافرَ منها شربةَ ماءٍ لحديثِ النبيِّ ﷺ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ) رواه الترمذي..فيا هذا نَفَسُكَ معدودٌ، وعمرُكَ محسوبٌ، فكم أملتَ أملًا وانقضي الزمانُ وفاتَكَ، ولا أراكَ تفيقُ حتى تلقي وفاتَكَ، فاحذرْ ذللَ قدمِكَ وخفْ طولَ ندمِكَ واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِكَ فتبْ إلى ربِّكَ واستعدْ ليومِ الفقرِ الأعظمِ كما قال أبو ذرٍ رضي اللهُ عنه أتدرون ما يومُ فقري ؟ قالوا بلي .قال يومَ أدخلُ قبرِي ( وللهِ درُّ القائلِ
تاللهِ لو عاشَ الفتى من دهرهِ ***ألفًا من الأعوامِ مالِكَ أمرِه
متلذذًا فيها بكلِّ نفيسةٍ *** متنعمًا فيها بنُعمى عصرِه
لا يعتريه السقمُ فيها مرةً ***كلا ولا تردِ الهمومُ ببالِه
ما كان ذلكَ كلّه في *** أنْ يفِي بمبيتِ أول ليلةٍ في قبرِه
قال الفضيلُ بنُ عياضٍ لرجلٍ: كم عمرُكَ؟ فقال الرجلُ: ستون سنةً، قال الفضيلُ: إذًا أنت منذُ ستينَ سنةً تسيرُ إلى اللهِ تُوشِكُ أنْ تَصِلَ، فقال الرجلُ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيلُ: يا أخي، هل عرفتَ معناها، قال الرجلُ: نعم، عرفتُ أنِّي للهِ عبدٌ، وأنِّي إليه راجعٌ، فقال الفضيلُ: يا أخي، مَن عرفَ أنّه للهِ عبدٌ وأنّه إليه راجعٌ، عرفَ أنّه موقوفٌ بين يديِه، ومَن عرفَ أنّه موقوفٌ عرفَ أنّه مسؤولٌ، ومَن عرفَ أنّه مسؤولٌ فليُعدَّ للسؤالِ جوابًا، فبكى الرجلُ، فقال: يا فضيلُ، وما الحيلةُ؟ قال الفضيلُ: يسيرةٌ، قال الرجلُ: وما هي يرحمُكَ اللهُ؟ قال الفضيلُ: أنْ تتقيِ اللهَ فيما بقِيَ، يَغفِرُ اللهُ لك ما قد مضَى وما قد بقِيِ .فسرعةُ مرورِ الأيامِ عبرةٌ وعظةٌ لذوي العقولِ والأحلامِ، وأهلِ الذكرى والأفهامِ، فقدِّمْ لما تُقدمُ عليه، والمرءُ لا يدرِي ما بقاؤُه، وما هي أيامُهُ، وما يدري ما يعرضُ له في حياتهِ وتقلباتهِ ))وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)[لقمان:34]؛ من موتٍ أو عائقٍ أو مانعٍ أو حائلٍ، فالكيِّسُ مَن حاسبَ نفسَهُ وعملَ لِمَا بعدَ الموت، فلقد عاشَ نبيُّ اللهِ نوحٌ -عليه السلامُ- أكثرَ مِن ألفِ عامٍ، فلَمَّا جاءَهُ ملكُ الموتِ ليقبضَ روحَهُ سألَهُ: يا أطولَ الأنبياءِ عُمرًا، كيف وجدتَ الدنيا؟ فقال نوحٌ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: وجدتُّها كدارٍ لها بابان، دخلتُ مِن أحدهِمَا وخرجتُ مِن الآخَرِ. أعوامٌ سريعةُ المرورِ، وشهورٌ تقتفِي إثرَ شهورٍ، فعلامَ الغرور؟ ))قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا))النساء:77فأفقْ مِن غفلتِكَ، وانتهزْ الفرصةَ واستثمرْ وقتَكَ بعملِ الخيراتِ والطاعاتِ بدلًا مِن أنْ تجلسَ بالساعاتِ أمامَ الهواتفِ ومواقعِ التواصلِ، اجلسْ كي تقرأَ جزءًا مِن القرآنِ اجلسْ مع أولادِكَ تعلمُهُم سنةَ النبيِّ المختارِ استثمرْ وقتَكَ في الدعوةِ إلى اللهِ، استثمرْ وقتَكَ في الإصلاحِ بين الناسِ، استثمرْ وقتَكَ في الإكثارِ مِن الصلاةِ ومِن التسليمِ على سيدِ الأنامِ، استثمرْ وقتَكَ في كلِّ طاعةٍ تقربُكَ مِن مولَاك فاعرفْ قدرَ وقتِكَ وشرفَ زمانِكِ وحقيقةَ عمرِكَ وحقيقةَ ساعاتِ أيامِكِ فَعُدْ الليلةَ إلى اللهِ قبلَ فواتِ الأعمارِ واسمعْ إلى العزيزِ الغفارِ وهو يُنادى: ))قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) (الزمر:53( فاتقِ اللهَ حيثُمَا كنتَ وراقبْ ربَّكَ ليلًا ونهارًا، واعلم أنّ اللهَ مُطّلعٌ عليكَ ويراك.
تابع/ خطبة الجمعة القادمة بعنوان : عناية القرآن الكريم بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين
يَا سَاهِيًا لاهيًا عَمَّا يُرَادُ بِهِ … آنَ الرحيلُ وَمَا قدمتَ مِن زَادٍ
ترجُو الْبَقَاءَ صَحِيحًا سالمًا أبدًا … هَيْهَاتَ أَنْتَ غَدًا فِيمَن غَدا غادٍ
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف